بين مبادرات وعقوبات.. أطلقت المملكة العربية السعودية، قبل سنوات استراتيجية جديدة لمواجهة التصحر والاحتطاب الجائر ورفع نسبة الغطاء النباتي، في إطار الحفاظ على الأمن البيئي ضمن رؤية 2030.
تلك الاستراتيجية تقف حائط صدٍ في مواجهة التاجر أو المواطن، إزاء استمرارهما في تداول الحطب المحلي، على الرغم من طرح البدائل، فما هو حجم الاحتطاب؟ ولماذا الإصرار على تداول الحطب والفحم المحلي بالرغم من سن القوانين والعقوبات من جهة، والإعلان عن بدائل لهما من جهة أخرى؟!
لماذا زادت وتيرة الاحتطاب؟
دفعت الظروف البيئية للمملكة إلى تعرض الأراضي للتصحر، وانخفاض القدرة على إنتاج النباتات بسبب التغيرات المناخية، وقلة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وتدهور خصوبة التربة.
وفي الوقت الذي تتوفر فيه بدائل الطاقة المنخفضة التكلفة في بلد يعتبر أكبر منتج للطاقة، يعد استخدام الحطب والفحم في البراري والمنازل وسيلة للترفيه أكثر من الضرورة، كما أنها تُعد أداة لإشباع العادات الراسخة للمجتمع السعودي.
ويعود التوسع في الاحتطاب خلال السنوات الماضية إلى عدة أسباب منها زيادة عدد السكان وتحسن مستواهم المعيشي، وانخفاض الوعي البيئي واستخدام التقنيات الحديثة مثــل المناشير الآلية والسـيارات ذات الدفع الرباعي.
وعلى الرغم من وضع العديد من الأنظمة التشريعية التي من شأنها حماية البيئة من التصحر والاحتطاب الجائر، إلا أن وزارة البيئة تؤكد أن ضعـف الرقابـة وعـدم تطبيـق تلك النظـم والتشـريعات هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم تحجيم الاحتطاب بالكفــاءه المطلوبــة.
العائد الاقتصادي أيضًا من أبرز أسباب التوسع في الاحتطاب، حيث يتم تداول الحطب المحلي من خلال أســواق أوليــة قريبــة مــن مواقــع الاحتطاب أو مــن خـال منافـذ تسـويقية تبيـع الحطـب الـذي يتـم جلبـه مـن مواقـع الإنتــاج .
وفق الإحصائيات الرسمية، فإن 80% من الغطاء النباتي بالمملكة تدهور خلال الـ 40 سنة الماضية، كما تشـير الدراسـات إلـى أن 120 ألـف هكتـار يتـم تعريتهـا سنويًا مـن الأشـجار والشـجيرات فـي المملكـة.
تلك الإحصائيات تعكس خطورة شديدة على الاقتصاد والبيئة على حد سواء، حيث أن ارتفاع وتيرة الاحتطاب تؤدي بالضرورة إلى انخفاض إنتاجية الأراضي من المنتجات الخشبية أو غير الخشبية مثل عسل النحل وغيرها، وتقليص إنتاج الأكسجين، وازدياد مخاطر السيول والفيضانات نتيجة تعرية التربة من الغطاء النباتي، وانجراف التربة السطحية وفقد خصوبتها وزحف الرمال والعواصف الرملية والترابية، فضلًا عن انخفاض مخـزون الميـاه الجوفيـة السـطحية.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن الاحتطاب الجائر والتصحر من شأنه التأثيــر سلبًا علــى خطــط التنميــة الاقتصادية المســتقبلية وتقليص فرص العمـل وزيـادة البطالـة فـي المناطـق الريفيـة وتهديـد مسـتقبل الأجيال القادمة، فضلًا عن التأثيــر الســلبي علــى الســياحة الداخليــة فــي المنتزهـات الوطنية وأيضًا على سياحة البر.
محاور مواجهة الاحتطاب
مع الإعلان عن منع الاحتطاب، تنوعت جهود المملكة للقضاء على تلك الممارسات، ما بين سن القوانين ووضع المخالفات، وتسهيل إجراءات استيراد الحطب والفحم، فضلًا عن تبني مبادرات للتوسع في زراعة الأشجار.
مبادرات واستراتيجيات
بالتزامن مع رئاستها لقمة مجموعة العشرين، أبرزت المملكة اهتمامها بقضايا البيئة، وقدمت مبادرة لحماية كوكب الأرض، عن طريق الزراعة والحد من الاحتطاب وتنظيم الرعي، وإيجاد حلول فعالة لمواجهة التحديات البيئية وتقليل الانبعاثات الكربونية، وهو الاقتراح الذي لاقى ترحيبًا واسعًا من قادة المجموعة.
الاقتراح السعودي لم يكن وليد اللحظة، بل أن هناك إطارًا قانونيًا داخليًا لتنظيم عملية الرعي والاحتطاب، ففي عام 2004م، أقر مجلس الوزراء استراتيجية وخطة وطنية للغابات، باعتبارها جزء لا يتجزأ من خطة التنمية الوطنية، وفي العام ذاته، تم تحديث نظام المراعي والغابات وأصبح يحظر الإضرار بالأشجار أو استعمال أي وسيلة تتسبب في إضعافها.
في الإطار ذاته، تم إيقاف إصدار تراخيص الاحتطاب والتفحيم ونقلهما، وكذلك منع تصدير الحطب والفحم من داخل المملكة إلي خارجها منعًا باتًا، كما عملت وزارة الزراعة على تعيين أكثر من 110 حارس غابات والتعاقد مع إحدى الشركات الأمنية المتخصصة لتوفير 112 حارس ومراقب غابات مع تزويدهم بالسيارات وأجهزة الإتصال اللازمة.
عقوبات الاحتطاب وآلية التطبيق
بموجب القانون، فإن قطع الأشجار باسم الاحتطاب للبيع أو للاستخدام و نقله و بيعه و شرائه واستخدامه، يعتبر مشاركة في الخطأ يعاقب عليها النظام.
ووفق وزارة البيئة، فإن غرامة الاحتطاب بغرض التجارة تصل إلى50 ألف ريال، وغرامة قطع الشجرة الواحدة تبلغ5 آلاف ريال، بينما تبلغ غرامة نقل الحطب المحلي 10 آلاف ريال، وتتضاعف تلك العقوبات المذكورة في حال تكرار المخالفة مع إلزام المخالف بإصلاح الأضرار.
غرامات الاحتطاب في المملكة
– 5 آلاف ريال غرامة قطع الشجرة الواحدة
– 10 آلاف ريال غرامة نقل الحطب المحلي عن كل طن
– 50 ألف ريال غرامة الاحتطاب بغرض التجارة
أما آلية التطبيق، فقد تم استحداث قوة أمنية جديدة في وزارة الداخلية أطلق عليها “القوات الخاصة للأمن البيئي”، ويشرف على عملها مجلس تنسيقي مكون من عدد من الجهات الأمنية والمدنية ذات العلاقة البيئية، وتتركز مهامها في مواجهة السلوكيات والتصرفات الجائرة التي أدت إلى تدهور النظام البيئي، وارتفاع نسبة التصحر، وذلك من خلال المراقبة الأمنية، والتحري، والقبض والاستيقاف، والضبط، وتحرير المخالفات، والإحالة للجهات المختصة، فضلًا عن المساندة والدعم الفني، ويغطي مجال عمال القوة البيئية كل مناطق المملكة المهمة بيئيًا.
ووفق بعض تصريحات، فإن عدد منسوبي القوة الخاصة للأمن البيئي قد بلغ 1100، ومن المستهدف رفع العدد إلى 10,000 خلال الأربع سنوات القادمة.
راعة الأشجار.. مبادرات لمواجهة التصحر
ولتغطية خسائر الاحتطاب والتصحر، تبنت وزارة البيئة مبادرة التشجر والتنمية المستدامة للمراعي والغابات والتي تعد أحد مبادرات برنامج التحول الوطني تماشيًا مع أهداف رؤية المملكة 2030.
وخلال العام 2020، أطلقت الوزارة حملة “لنجعلها خضراء” التي تغطي 165 موقعًا في جميع مناطق المملكة، وتستهدف زراعة الأشجار والشجيرات المهددة بالانقراض، والتي تعرضت للرعي الجائر والاحتطاب والاقتلاع.
كما أطلقت “أرامكو” السعودية مبادرة مماثلة لزراعة مليون شجرة ضمن مناطق أعمالها بمختلف المدن السعودية، على أن تكتمل هذه المبادرة عام 2025.
حملات التشجير تضمنت زراعة الأشجار المحلية مثل شجر الغاف والمانجروف والطلح والسدر والمرخ والسمر والإثل واللبان العربي والسيال والسلم والأراك.
ولتنمية الوعي المجتمعي بأهمية الاشجار، أولت وزارة البيئة والمياه والزراعة اهتمامًا نحو تحقيق المشاركة المجتمعية في استزراع النباتات المحلية من خلال دعوة عدد من الجهات الحكومية والخاصة والجمعيات التطوعية والأفراد.
تسهيلات الاستيراد
تضييق المملكة على الاحتطاب تزامن مع مبادرة وطنية طرحتها وزارة البيئة، وأكدت على جدواها، نحو إيجاد بدائل مختلفة للحطب المحلي، وذلك من خلال تقديم صندوق التنمية الزراعي تسهيلات للمستوردين، تصل إلى 200 ألف ريال بدون فوائد للحصول على تمويل لاستيراد الحطب بعد تقديم طلبًا إلكترونيًا للاستيراد، لتشجيع التجار والراغبين في استيراد الحطب والفحم من الدول التي تمتاز بوفرة إنتاجها.
بهذه التسهيلات، يهدف الصندوق إلى حماية الموارد الطبيعية من خلال دعم المنتج المستورد، وفتح المجال للمنشآت الصغيرة والمتوسطة للتوسع في مزاولة هذا النشاط، وتذليل العقبات للحصول على الاعتماد المستندي والاستفادة من خدمات البنوك في هذا المجال.
المحلي والمستورد.. ماذا يفضل المواطن؟
حملات توعوية مكثفة أطلقتها وزارة البيئة والمياه والزراعة بالتعاون مع الجهات المعنية عبر كافة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي بخطورة الاحتطاب وتعرض البيئة للتصحر، إلا أن المستهلك لا يزال يفضل الحطب المحلي الذي لا يزال يعرضه التجار عبر وسائل مختلفة مثل البيع عن طريق الإنترنت.
فعلى الرغم من إلغاء الرسوم الجمركية على الحطب المستورد، في خطوة للتشجيع على تداوله، إلا أن سعره لايزال مرتفعًا مقارنة بالحطب المحلي بسبب تكاليف النقل، كما أن المواطن لا يزال يفضل مواصفات المحلي عن المستورد، خاصةً حطب “السمر” الشهير بالمملكة.
وبالإضافة لفرق السعر، فإن المعروض من الحطب المستورد لا يكفي لتغطية الطلب المحلي، ففي الوقت الي أعلنت فيه وزارة البيئة أنها تمكنت من توفير أكثر من 200 طن من الحطب المستورد خشب خلال عام 2020، فإن نتائج مسح البيئة المنزلي الذي أصدرته الهيئة العامة للإحصاء (GASTA) كشف عن أن الحطب المحلِّي يشكِّل نسبة (89.40%) من الحطب المستخدم في المنازل في المملكة.
الموروث الثقافي عامل آخر من عوامل تفضيل الحطب المحلي عن المستورد، حيث أن المواطنين في المملكة لا يزالون يعتقــدون أن اســتخدام الحطــب والفحــم النباتــي المحلــي فــي الطبــخ والتدفئـة لـه مزايـا وخصائـص لا تتوفـر في الأنواع الأخرى مـن مصـادر الطاقـة سـواء الحطـب المسـتورد أو المشـتقات البتروليـة الغـاز والكهربــاء.
الاحتطاب.. جريمة دولية
لا يعد الاحتطاب جريمة تقتصر على المملكة العربية السعودية فقط، ولكن قطع الأشجار يعد جريمة يعاقب عليها القانون في مختلف دول العالم، مع اختلاف تلك العقوبات من دولة إلى أخرى.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تصل غرامات قطع الأخشاب إلى 500000 دولار أمريكي للشركات، والسجن حتى خمسة سنوات، بالإضاف إلى المصادرة، أما في الاتحاد الأوروبي، فتختلف العقوبات عبر دول الاتحاد وتشمل الغرامات، والسجن، والحظر للتجارة والمصادرة والتدمير للأخشاب غير القانونية.
وفي أستراليا، تصل العقوبات إلى السجن 5 سنوات وغرامات تصل إلى 425 ألف دولار، أما قانون الخشب النظيف في اليابان، فيفرض عقوبة السجن لمدة سنة أو أكثر مع الأشغال الشاقة، وغرامة تصل إلى 500 ألف ين ياباني.
ولعل مواجهة دول الاتحاد الأوروبي لبولندا والدعوة لتحويلها لمحكمة العدل الدولية بعد قطع أشجار غابات بيالوفيزا البولندية يعكس مدى أهمية الأشجار ووضعها ضمن الجرائم الدولية.